فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{إن الذين اتخذوا العجل} يعني إلهًا عبدوه من دون الله: {سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا} يعني سينالهم عقوبة من ربهم وهوان بسبب كفرهم وعبادتهم العجل وذلك في عاجل الحياة الدنيا في للمفسرين في هذه الآية قولان:
أحدهما: أن المراد بالذين اتخذوا العجل تابوا إلى الله تعالى بقتلهم أنفسهم كما أمرهم الله فتاب عليهم فكيف ينالهم الغضب والذلة مع التوبة؟ والجواب: إن ذلك الغضب إنما حصل لهم في الدنيا وهو في نفس القتل فكان ذلك القتل غضبًا عليهم والمراد بالذلة هو إسلامهم أنفسهم للقتل واعترافهم على أنفسهم بالضلال والخطأ.
فإن قلت السين في قول سينالهم للاستقبال فكيف تكون للماضي؟
قلت: هذا الكلام إنما هو خبر عما أخبر الله به موسى حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل ثم أخبره الله في ذلك الوقت أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة فكان هذا الكلام سابقًا لوقوعه وهو التل الذي أمرهم الله به بعد ذلك وقال ابن جريج في هذه الآية إن هذا الغضب والذلة لمن مات منهم على عبادة العجل ولمن فر من القتل وهو الذي قاله ابن جرير وإن كان له وجه لكن لجميع المفسرين على الخلافة.
القول الثاني: أن المراد بالذين اتخذوا العجل اليهود الذين كانوا في زمن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: هم الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وآباؤهم هم الذين عبدوا العجل وأراد بالغضب عذاب الآخرة وبالذلة في الدنيا الجزية.
وقال عطية العوفي: سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد بالغضب والذلة ما أصاب بني النضير وبني قريظة من القتل والجلاء وعلى هذا القول في تقرير الآية وجهان:
الأول: أن العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما تفعل لك في المناقب فتقول للأبناء كذا وفعلتم كذا وإما فعل ذلك من مضى من آبائهم فكذلك هاهنا وصف اليهود الذين كانوا على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم اتخذوا العجل وإن كان آباؤهم فعلوا ذلك ثم حكم على اليهود الذين كانوا في زمنه بأنهم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذلة في الحياة الدنيا.
الوجه الثاني: أن تكون الآية من باب حذف المضاف والمعنى أن الذين اتخذوا العجل وباشروا عبادته سينال أولادهم، إلخ ثم حذف المضاف لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: {وكذلك نجزي المفترين} يعني: وكما جزينا هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهًا نجزي كل من افترى على الله كذبًا أو عبد غيره وقال أبو قلابة: هي والله جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله، وقال سفيان بن عيينة: هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة وقال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا وهو يجد فوق رأسه ذلة ثم قرأ هذه الآية قال والمبتدع مفتر في دين الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إنَ الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلّة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين}.
الظاهر أنه من كلام الله تعالى إخبارًا عما ينال عباد العجل ومخاطبةً لموسى بما ينالهم.
وقيل: هو من بقية كلام موسى إلى قوله: {وقال إنما اتخذتم} وأصدقه الله تعالى بقوله: {وكذلك نجزي المفترين} والأول الظاهر لقوله: {وكذلك نجزي المفترين} في نسق واحد مع الكلام قبله والمعنى اتخذوه إلهًا لقوله: {فأخرج لهم عجلًا جسدًا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى}، قيل: والغضب في الأخرة والذلّة في الدنيا وهم فرقة من اليهود أُشربوا حبّ العجل فلم يتوبوا، وقيل: هم من مات منهم قبل رجوع موسى من الميقات، وقال أبو العالية وتبعه الزمخشري: هو ما أمروا به من قتل أنفسهم، وقال الزمخشري والذلّة خروجهم من ديارهم لأن ذلّ الغربة مثلٌ مضروب انتهى، وينبغي أن يقول استمرار انقطاعهم عن ديارهم لأنّ خروجهم كان سبق على عبادة العجل، وقال عطية العوفيّ: هو في قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير لأنهم تولوا متخذي العجل، وقيل: ما نال أولادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبي والجلاء والجزية وغيرها، وجمع هذين القولين الزمخشري فقال: هو ما نال أبناءهم وهم بنو قريضة والنضير من غضب الله تعالى بالقتل والجلاء ومن الذلة بضرب الجزية انتهى، والغضب إن أخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات أو بمعنى العقوبة فهو صفة فعل والظاهر أن قوله: {في الحياة الدنيا} متعلق بقوله: {سينالهم}، وكذلك أي مثل ذلك النيل من الغضب والذلّة نجزي من افترى الكذب على الله وأي افتراء أعظم من قولهم: {هذا إلهكم وإله موسى} و{المفترين} عامّ في كل مفتر، وقال أبو قلابة ومالك وسفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة أو فرية ذليل واستدلّوا على ذلك بالآية. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الذين اتخذوا العجل} أي تمّوا على اتخاذه واستمروا على عبادته كالسامريِّ وأشياعِه من الذين أُشربوه في قلوبهم كما يُفصح عنه كونُ الموصولِ الثاني عبارةً عن التائبين فإن ذلك صريحٌ في أن الموصولَ الأولَ عبارةٌ عن المصِرّين {سَيَنَالُهُمْ} أي في الآخرة {غَضَبٌ} أي عظيمٌ لا يقادر قدرُه مستتبِعٌ لفنون العقوباتِ لما أن جريمتَهم أعظمُ الجرائم وأقبحُ الجرائر وقوله تعالى: {مّن رَّبّهِمُ} أي مالكِهم، متعلقٌ بينالُهم أو بمحذوف هو نعتٌ لغضب مؤكد لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافية، أي كائنٌ من ربهم {وَذِلَّةٌ في الحياة الدنيا} هي ذلةُ الاغترابِ التي تُضرب بها الأمثالُ والمسكنةُ المنتظمةُ لهم ولأولادهم جميعًا، والذلةُ التي اختص بها السامريُّ من الانفراد عن الناس والابتلاء بلا مِساس. يروى أن بقاياهم اليومَ يقولون ذلك، وإذا مس أحدَهم أحدٌ غيرُهم حُمًّا جميعًا في الوقت، وإيرادُ ما نالهم في حيز السين مع مُضِيِّه بطريق تغليب حالِ الأخلافِ على حال الأسلاف، وقيل: المرادُ بهم التائبون، وبالغضب ما أُمروا به من قتل أنفسِهم، واعتُذر عن السين بأن ذلك حكايةٌ عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومِه واتخاذِهم العجلَ بأنه سينالهم غضبٌ من ربهم وذلةٌ فيكون سابقًا على الغضب، وأنت خبيرٌ بأن سباقَ النظم الكريم وسياقَه نابيان عن ذلك نُبوًّا ظاهرًا، كيف لا وقوله تعالى: {وكذلك نَجْزِى المفترين} ينادي على خلافه فإنهم شهداءُ تائبون فكيف يمكن وصفُهم بعد ذلك بالافتراء؟ وأيضًا ليس يجزي الله تعالى كلَّ المفترين بهذا الجزاءِ الذي ظاهرُه قهرٌ وباطنُه لطفٌ ورحمة، وقيل: المرادُ بهم أبناؤهم المعاصِرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تعييرَ الأبناءِ بأفاعيلِ الآباء مشهورٌ معروفٌ، منه قولُه تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} الآية، وقولُه تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى} الآية، والمرادُ بالغضب الغضبُ الأخرويُّ وبالذلة ما أصابهم من القتل والإجلاءِ وضربِ الجزية عليهم، وقيل: المرادُ بالموصول المتّخِذون حقيقةً وبالضمير في ينالُهم أخلافُهم ولا ريب في أن توسيطَ حالِ هؤلاء في تضاعيف بيانِ حالِ المتخِذين من قبيل الفصل بين الشجرِ ولِحائه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} أي بقوا على اتخاذه واستمروا عليه كالسامري وأشياعه كما يفصح عنه كون الموصول الثاني عبارة عن التائبين فإن ذلك صريح في أن الموصول الأول عبارة عن المصرين {سَيَنَالُهُمْ} أي سيلحقهم ويصيبهم في الآخرة جزاء ذلك {غَضَبَ} عظيم لا يقادر قدره مستتبع لفنون العقوبات لعظم جريمتهم وقبح جريرتهم {مّن رَّبّهِمُ} أي مالكهم، والجار والمجرور متعلق بينالهم، أو بمحذوف وقع نعتًا لغضب مؤكدًا لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي كائن من ربهم {وَذِلَّةٌ} عظيمة {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم} وهي على ما أقول: الذلة التي عرتهم عند تحريق إلههم ونسفه في أليم نسفًا مع عدم القدرة على دفع ذلك عنه، وقيل: هي ذلة الاغتراب التي تضرب بها الأمثال والمسكنة المنتظمة لهم ولأولادهم جميعًا، والذلة التي اختص بها السامري من الانفراد عن الناس والابتلاء بلا مساس، وروي أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإذا مس أحدهم أحد غيرهم حمجميعًا في الوقت، ولعل ما ذكرناه أولى والرواية لم نر لها أثرًا، وإيراد ما نالهم بالسين للتغليب، وقيل: وإليه يشير كلام أبي العالية المراد بهم التائبون، وبالغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم، وبالذلة إسلامهم أنفسهم لذلك واعترافهم بالضلال، واعتذر عن السين بأن ذلك حكاية عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل فإنه قال له: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} إلخ فيكون سابقًا على الغضب، وجعل الكلام جواب سؤال مقدر وذلك أنه تعالى لما بين أن القوم ندموا على عبادتهم العجل بقوله سبحانه: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} [الأعراف: 149] والندم توبة ولذلك عقبوه بقولهم: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} [الأعراف: 149] وذكر عتاب موسى لأخيه عليهما السلام ثم استغفاره اتجه لسائل أن يقول: يا رب إلى ماذا يصير أمر القوم وتوبتهم واستغفار نبي الله تعالى وهل قبل الله تعالى توبتهم؟ فأجاب {إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} أي نقم قبل توبة موسى وأخيه وغفر لهما خاصة وكان من تمام توبة القوم أن الله سبحانه أمرهم بقتل أنفسهم فسلموها للقتل، فوضع الذين اتخذوا العجل موضع القوم إشعارًا بالعلية.
وتعقب بأن سياق النظم الكريم وكذا سباقه ناب عن ذلك نبوًا ظاهرًا كيف لا وقوله تعالى: {وكذلك نَجْزِى المفترين} ينادي على خلافه فإنهم شهداء تائبون فكيف يمكن وصفهم بعد ذلك بالافتراء وأيضًا ليس يجزي الله تعالى كل المفترين بهذا الجزاء الذي ظاهره قهر وباطنه لطف ورحمة إلا أن يقال: يكفي في صحة التشبيه وجود وجه الشبه في الجملة ولابد من التزام ذلك على الوجه الذي ذكرناه أيضًا؛ وما ذكر في تحرير السؤال والجواب مما تمجه أسماع ذوي الألباب.
وقال عطية العوفي: المراد سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأريد بالغضب والذلة ما أصاب بني النضير وقريظة من القتل والجلاء، أو ما أصابهم من ذلك ومن ضرب الجزية عليهم، وفي الكلام على هذا حذف مضاف وهو الأولاد، ويحتمل أن لا يكون هناك وهو من تعيير الأبناء بما فعل الآباء، ومثله في القرآن كثير.
وقيل: المراد بالموصول المتخذون حقيقة وبالضمير في ينالهم أخلافهم وبالغضب الغضب الأخروي وبالذلة الجزية التي وضعها الإسلام عليهم أو الأعم منها ليشمل ما ضربه بختنصر عليهم.
وتعقب ذلك أيضًا بأنه لا ريب في أن توسيط حال هؤلاء في تضاعيف بيان حال المتخذين من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه، والمراد بالمفترين المفترون على الله تعالى، وافتراء أولئك عليه سبحانه قول السامري في العجل: {هذا إلهكم وإله موسى} [طه: 88] ورضاهم به ولا أعظم من هذه الفرية ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم.
وعن سفيان بن عيينة أنه قال: كل صاحب بدعة ذليل وتلا هذه الآية. اهـ.